الأربعاء، 17 فبراير 2016

أرسطو

 
أرسطو


يعتبر المفكر دافيد روس من كبار المختصين بالفكر اليوناني القديم وبفلسفة ارسطو على وجه الخصوص، وهو يقدم في هذا الكتاب بانوراما عامة عن حياة المعلم الاول وأفكاره. من المعلوم ان ارسطو ولد عام 384 قبل الميلاد. وقد فقد والده وهو صغير. وكان ابوه الذي يدعى نيقوماخوس هو الطبيب الشخصي لملك مقدونيا.

وعندما بلغ السابعة عشرة جاء ارسطو الى اثينا لكي يدرس الفلسفة على يد افلاطون، وأصبح تلميذه النجيب والمخلص فيما بعد، ولكنه قال عبارته المشهورة:

صحيح اني احب افلاطون، ولكني احب الحقيقة اكثر..

ثم ادخل اليه ملك مقدونيا فيليب مهمة تعليم ابنه الاسكندر الذي سيصبح فيما بعد الاسكندر المقدوني اشهر فاتح في التاريخ. وفيما بعد اسس ارسطو مدرسته الخاصة ودعاها بالليسية: اي المدرسة الفلسفية الشهيرة. ومعلوم انها كانت تحتوي على معبد وأشجار وينابيع مياه ودروب جميلة من اجل التنزه.

او التعلم والتلاميذ سائرون او ماشون على اقدامهم من هنا نتجت كلمة الفلاسفة المشائين في اللغة العربية. فالواقع ان التعليم كان حراً ولا يمارس في الصف مع اللوح والطباشير كما نتخيل عادة وانما يمارس في اوقات النزهة والخلوة والاعتكاف او الاجتماع مع بعض الاصدقاء والتلاميذ الخلص. وكانت المدرسة تحتوي على رواقات ايضا: اي ممرات مكشوفة الوجه ومسقوفة بعقود على اعمدة.

واستمر تعليم ارسطو للتلاميذ في اثينا مدة سبعة عشر عاما. وبعد موت الاسكندر المقدوني اتهموه بالالحاد فخاف من القتل وهرب لكي ينجو بجلده. وقال: لا أريد ان يحصل لي ما حصل لسقراط! ومعلوم ان سقراط قتل عن طريق اجباره على تجرع السم الزعاف.

ويبدو ان هذا هو مصير الفلاسفة الكبار. فدائما او في كثير من الاحيان، يعتبرهم عصرهم كفاراً او خارجين على القانون والمألوف. ولهذا السبب تحصل المشاكل بين الفلاسفة والسلطات السياسية او اللاهوتية السائدة في المجتمع. فهذا ما حصل لكوبرنيكوس، وغاليليو، وديكارت، وسبينوزا، وجان جاك روسو، وعشرات الآخرين،

وعلى هذا النحو نفي ارسطو من بلاده او نفى نفسه طوعا ومات عام 322 قبل الميلاد: اي وهو في الثانية والستين من العمر. ثم اصبح فيما بعد اشهر اسم في تاريخ الفلسفة بالاضافة الى استاذه افلاطون والعرب عندما تقول المعلم الاول فإن جميع الناس يفهمون ان المقصود هو ارسطو.

من اشهر كتبه: كتاب الفيزياء ثم كتاب ما بعد الفيزياء اي الميتافيزيقا، ثم كتاب المنطق، ثم كتاب البلاغة، ثم كتاب الاخلاق الذي اتخذ العنوان التالي: رسالة في الاخلاق الى نيقوماخوس، ومعظم هذه الكتب ان لم يكن كلها ترجم الى العربية في العصر الكلاسيكي: عصر المأمون وبيت الحكمة ومن تلاه من الخلفاء الكبار.

ويعترف جميع المؤرخين بأن ارسطو هو مخترع المنطق الصوري او الشكلاني، وهو علم يدرس شكل الحاجة بغض النظر عن محتواها، والمنطق هو اداة العلم، فبدون منطق لا يمكن ان نحقق اي تقدم في مجال العلوم.

والواقع ان مجمل اعمال ارسطو يطلق عليها اسم: المنطق، وفيما نجد نظريته الشهيرة عن القياس، وهي مؤلفة في مقدمة اولى ومقدمة ثانية ثم خاتمة. فمثلا قال ارسطو: كل الناس سوف يموتون يوما ما (مقدمة اولى)، سقراط ينتمي الى طبقة البشر (مقدمة ثانية)،

وإذن فسقراط سوف يموت (نتيجة) وبالتالي فالمنطق هو اداة المعرفة، والتفكير المنطقي هو وحده التفكير العقلاني، ثم يقول المؤلف بأن الفرق بين ارسطو واستاذه افلاطون هو ان ارسطو كان يهتم بالظواهر المحسوسة، وافلاطون يركز اهتمامه على المجردات وعالم المثل العليا. لقد كان الاول واقعيا والثاني مثاليا.

الكتاب: ارسطو

الناشر: تايلور وفرانسيس المحدودة 2003

الصفحات: 336 صفحة من القطع المتوسط
جاء تلخيص ابن رشد لكتاب فن الشعر لأرسطو في سبعة فصول‚ علما ان الأصل يتكون من سبعة وعشرين فصلا‚ وباستثناء الفصل الأول المشترك بينها‚ فابن رشد اعتبارا من الفصل الثاني يقوم بتلخيص الفصــول ودمجــــها‚ فالثاني لديه يقابل الثاني والثالث في الأصل‚ والثالث يقابل الرابـــع والخامــس‚ والفصل الرابع يقابل الخامـــس والسادس‚ والفصل الخامس يقابل الفصول من السابع إلى الحــادي عشر‚ فيما الفصل السادس تلخيص للفصــــول من الثاني عشر حتى التاســع عشر‚ وأخيرا فالفصل السابع تلخيص للفـــــصول الأخيرة بداية من الفصل العشــرين إلى نهـــاية كتــــاب ارســـطو‚ وفي ضـــوء ذلك تنتـــفي فكرة الشرح المباشر لتحل محلها فكرة التلخيص‚ وبلجوء ابن رشد إلى حذف النصــوص الـــيونانية‚ واقتــــراح النصـــوص العربيـــة‚ يكون قد تخــطى هـــدفه كشــارح إلى معرف بتصور ارسطو‚ وفي هـــذه المهـمة لم يحالفـــه النجـــاح‚ كما حالفـه في الشـــروح والتلخيـــصات الأخرى‚

يظهر ترحيل كتاب «فن الشعر» إلى العربية مفارقة يصعب تصـــــديقها‚ مفارقة تتصل بعدد الأنواع الشعرية‚ فأرسطو يتحدث عن: الملحمة والمأساة والملهاة والدوثورمب‚ لكن العـــدد يتناقــص إلى ثلاثة في ترجمة متى بن يونس القنائي‚ وهي: المديح والهجاء والديثرمبــــو‚ ثم ينتـــهي إلى اثـــــنين عند ابن رشد: المديح والهجاء‚ هذا التـــناقص لا يكشف فقــط سوء الترجمة والتلخيص‚ إنما يفضح جهل المترجم والملخص بالأنواع الشعرية التي يتحدث عنها ارسطو في كتابه‚ ويكشــــف التلخيص عن مفارقة أخـــرى‚ لا تقـــل خطرا عن الأولى فالنصوص الأدبية اليونانية تتضاءل إلى ان تختفي‚ فتقدم عن جزء قليل منها خلاصات لا قيــمة معرفية لها‚ وبالمقابل يتزايد عدد النصوص الأدبية والدينية العربية‚ فيكاد يغص الكتاب بها‚ تزيد الشواهد الشعرية العربية عن مائة بيت‚ فيما تبلغ الشـــواهد القرآنية خمسة عشر شاهدا‚ ويتردد مصطلح «أشعار العرب» وغيـــره في تضاعيف الكتاب من أوله إلى آخره‚ وذلك في سياق شرح فن شعري يـــساء فهم مكوناته‚ وهو المأساة‚ فيعــامل على أنه المديح‚

يستند تصور ابن رشد للشعر‚ في سياق تلخيصه لكتاب ارسطو‚ إلى ركيزتين: التاريخ والطبائع‚ التاريخ يتدخل في ضبط مسار الشعر وتطوره‚ والطبائع تتدخل في تصنيفه‚ من الواضح ان ابن رشد في الركيزة الأولى يكشف عن رؤية تاريخية سليمة‚ فالشعر ظاهرة أدبية/ثقافية متطـــورة عـــبر الزمـــن‚ لكنه في الثانية ينقض ذلك التصــور‚ حينما يدخل قضية الطبائع في تصنيف الشعر‚ فهو يجاري ارسطو‚ وعمـــوم الفكر القديم القائل بالثنائيات الضدية‚ فالنفوس تكون بطبعها إما فاضلة أو خسيسة‚ «فالطيبة بطبيعتها تنشئ المديح‚ والخسيسة بطبيعتها تنشئ الهجاء» اذا نشأت الأمة تولدت فيها صناعة الشعر من حيـــث ان الأول يأتي منها أولا بجزء يسير‚ ثم يأتي من بعده بجزء آخر‚ وهكذا إلى ان تكمــــل الصناعات الشعرية‚ وتكمل ايضـــا اصنافها بحسب اســتعداد صـــنف صنف من الناس للالتذاذ أكثر بصنف صنف من اصناف الشــعر‚ مثال ذلك ان النفــــوس التي هي فاضلة وشريفة بالطبع هي التي تنشئ أولا صناعة المديح ــ أعني مديح الأفعال الجميلة ـ والنفــوس التي هي أخـــس من هذه هي التي تنشئ صناعة الهجاء ـ أعني هجاء الأفعال القبيحة ــ وإن كان قد يضطر الذي مقصده الهجاء/للشرار والشرور ان يمدح الأخيار والافعال الفاضلة‚ ليكون ظهور الشرور أكثر ــ أعني اذا ذكرها ثم ذكر بازائها الأفعال القبيحة‚

يكتنف الإبهام كل المصـــــطلحات التي يقوم عليها كتاب أرسطو‚ مترجما وملخصا‚ ففضلا عن الخطأ الجسيم في وضع المديح والهجاء كمقابلين للمأساة والملهاة‚ فإن العناصر المكونة للمأســاة‚ وهي التي تشكل متن الكتاب‚ كما هو معروف‚ تقدم بغموض لا يقل عن المفهومين المذكورين‚ يذهب ارســـطو إلى ان المأساة تتكون من العناصر الآتية: القصة‚ الأخلاق‚ والعبارة‚ والفكــرة‚ والمنظر‚ والغناء‚ فتتحول عند متى إلى: الخرافات‚ والعادات‚ والمقولة‚ والاعتقاد‚ والنظـــر‚ والنغمـــة‚ ثم تنتهي عند ابن رشد إلى: الأقاويل الخرافية‚ والعادات‚ والاعتقادات‚ والنظر‚ واللحن‚ يفهم وجه القصور عند متى إذا أخذنا بالاعتبار سيادة الروح الحرفية في ترجمته‚ وقصورها بصــــورة عامة‚ ولكن في حالة ابن رشد‚ وهو مشتغل على فلـــسفة أرسطو‚ وملخص لها‚ وشارح لغوامضها‚ يصعب فهم الأمر‚ من ناحيتــين: الأولى غياب ذلك في الشــعر الذي يعالجه‚ والثاني اضطـــراب الفهم‚ من ذلك تفسيره لعنصر النظر‚ وهو أحد مكونات المسرحية المأساوية فهو لا ينتبه الى ان شعر المديح يختلف عن الشعر الذي يعالجه ارسطو فلا تتوفر فيه تلك العنــاصر تغيب عنه الحكاية/الاقاويل الخرافية وتغيب العادات والاعتقادات والمناظر وربما الالحان فهذه من مكونات المسرحية ولعل المفارقة تنبثق من ثنايا الجهل حينما يحاول ابن رشد تفسير «المنظر» فيشتقه من الســـياق الثقافي للفكر العربي بالنسبة له فيـــظن انه «النظر» كما جاء في ترجمـــة متى فيقول بأنه «ابانة عن صواب الاعتقاد» وهـــو ضرب من الاحتجاج لصـــواب الاعتقاد الممدوح به ولما يبحـــث عما يقـــابله في اشعار العـــرب ينتـــهي الى انه لا يوجــــد الا في الاقـــاويل الشـــرعية المدحية فالمديــح لا يلائمه الاحتــــجاج بصواب الاعتـــقاد انما بقـــول محــاك ذلك ان صنعة الشعر ليست مبنية على الاحـتجاج والمناظرة وبخاصة صناعة المديح‚

ويلاحظ ابن رشد نقصا في كتاب ارسطو لكنه يعزو ذلك الى الترجمة وليس الى الاصل والنقص كما هو معروف متصل بمعالجة ارسطو للــملهاة لكـــن ابن رشــد لا يجد النقص معيبا فالتحليل الخاص بالمأساة وعند ابن رشد بالمديح يكفي اذا فهم بضـــده الذي نقـــص ممــا هو مشـــترك هو التكلم في صناعة الهــــجاء لكن يشبه ان يكون الوقوف على ذلك يقـــرب من الاشياء التي قيلت في باب المديح اذ كانت الاضداد يعـــــرف بعضــها من بعض لن تصرف هذه الملاحظة القصد غير المباشر الذي تحـــمله في طياتها انها تؤكد ان ابن رشد يعتـــبر المديـــح هو الاصل ومنه تشتق قواعد الشعر وبالنظر الى ان الجزء الخاص بالهجاء لم يترجم كما تخيل هو فيكفي قلب الدوار فكل المعايير تستبدل بنقائضها لتكـــون صالحة‚ المديح والهجاء محكومان بعلاقة ضدية فقلب السنن الخاصـــة بالمديــح يؤدي الى اظهار سنن الهجاء المخفية في كتاب ارسطو‚

اعتبر عبدالفتاح كيليطو شرح ابن رشد لكتاب ارسطو شائنا فاضحا فابن رشد الذي كان يطمح الى الوفاء التام لأرسطو قد خانة هذه المرة فشوه افكاره بلا تعمد طبعا ومن دون ان يفطن الى ذلك لحظة‚ انه بمجمل القول شرح يستعصي على القراءة لا نفع يتوخى منه لمن يـــريد الاعتماد عليه لاثــــراء فهمه لفن الشــــعر فلو ضاع كتاب ارســـطو هذا لما تســــنى تمثل موضـــوعة وتصور محتـــواه من خــــلال ابن رشد‚ بل اكثر من ذلك لكي نفهم كلام هذا الاخير لا بد مـــن الرجـــوع الى ارسطو بحيث نجــــد انفسنا امام مفارقة لا شك في انها خطــــرت ببال العديد من القراء: ليس ابن رشـــد هو الذي يشرح ارسطو بل ان الثاني هو الذي يشرح الاول‚


يبرهن تلخيص ابن رشد الخاطئ لأفكار ارسطو في مجال الشــــعر على قضــــية مهمة في الادب‚ قضـــية الســـياقات الثقافية التي تغذي النصوص الادبية بخصائصها‚ فالتراسل بين المرجعيات الثقافية والنصوص الادبيــــة قوي وفاعل في صوغ العناصر الاساســــية للمادة الادبية‚ وفي ضوء ذلك يكون استحضار السياقات الثقافية ضروريا لكل شرح او تفسير او نقد يتوخى الدقة في حالة ابن رشد‚ وسلالة الشراح والملخصين والمترجمين لكتاب «فن الشعر» جرى تغييب للسياق الثقافي اليوناني الذي يشكل مرجعية مباشرة لكتاب ارسطو‚ وبه اســتبدل سياق ثقافي عربي مختلـــف‚ أدى بداية من الترجمة الاولى‚ وانتهاء بتلخيص ابن رشد الى مبادلة غير صحيحة‚ لا يمكن ان يقبلها الادب‚ ولا المجتمع الادبي العـارف‚ مبادلة في المفاهيم الاساســـية‚ ومبـــادلة في النصوص التمثيلية لتوافــــق ســياقا مختلفا عن ذلك الذي احتضن الكتاب في الاصل وتبع ذلك سوء فهم في الوظائف وفي المماثلة الخاطئة بين اغراض شعرية عربية‚ وانواع شعرية يونانية‚

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق